الأستاذ الدكتور “على جمعة” – المفتى السابق رئيس مؤسسة مصر الخير – يكتب: علامات القيامة … الجزء السابع

تكلمنا في المقال السابق عن طلوع الشمس من مغربها كعلامة عظيمة ينغلق معها باب التوبة، ونكمل الحديث عن باقي علامات القيامة في هذا المقال، حيث بقي لنا من العلامات الخسوفات الثلاثة وخروج النار.
سابعا : الخسوفات الثلاثة : 
الخسوفات الثلاثة هي العلامة السابعة من العلامات الكبرى ليوم القيامة، وقد صرحت بها السنة النبوية المطهرة في أكثر من حديث، من ذلك حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الساعة فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : نذكر الساعة، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آَيات وذكر منها : ثلاثة خسوف : خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب» [رواه مسلم] . 
ومنها حديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : «سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب، قلت: يا رسول الله أيخسف بالأرض وفيها الصالحون ؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكثر أهلها الخبث» [ذكره أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال روى الطبراني بعضه]. 
والخسوفات الثلاثة المذكورة في الأحاديث النبوية، لم يأت بها نص في القرآن، وإنما ذكرت في السنة النبوية، وقد يختلط على بعض الناس تحقق هذه العلامة بسبب كثرة الخسوف الذي يحدث في أيامنا هذه، ولكن ربما تكون تلك الخسوفات يسيرة وهينة بالنسبة للخسوفات الموعود بها، فهي ستكون علامة واضحة، وخسوفات عظيمة، ولقد ذكر هذا المعنى الحافظ ابن حجر حيث قال : «وقد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد، كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدرا» [فتح الباري]. 
على أية حال على المؤمن أن يعتقد أنه من ضمن العلامات العظيمة التي تسبق يوم القيامة حدوث تلك الخسوفات الثلاثة، وعليه أن يخشى عذاب ربه دائما، ويرجو رحمته، عسى الله أن يخرجنا من حال لا يرضاه إلى حال يرضاه.
والعلامة الثامنة والأخيرة من علامات يوم القيامة، وهي تلك النار التي تخرج فتحشر الناس إلى أرض المحشر.
ثامنا : النار التي تحشر الناس : 
وهي آخر العلامات الكبرى، وأولى آيات قيام الساعة، وهي نار تخرج من اليمن تسوق من تبقى على الأرض من شرار الناس إلى أرض المحشر، وقد وردت الأحاديث الشريفة تدل وتؤكد تلك العلامة العظيمة.
منها حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط الساعة وآخره قوله صلى الله عليه وسلم : «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» [رواه مسلم] وفي رواية : «نار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» [رواه مسلم] . 
وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» [رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه] . 
ومنها حديث أنس -رضي الله عنه- : أن عبد الله بن سلام لما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل ومنها : «ما أول أشراط الساعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» [رواه البخاري]. 
وقد يقع للمطلع على تلك النصوص تعارض بين ظاهرها، فقد يسأل سائل كيف تكون النار آخر علامات الساعة، وهي في نفس الوقت أول أشراط الساعة في الحديث الذي رواه البخاري، والجواب عن ذلك : بأنها تؤذن بقيام الساعة فهي أول قبل بدء أهوال يوم القيامة حيث ينهار الكون العلوي والسفلي بعدها بما ذكر في القرآن الكريم، من انشقاق السماء، ومن تكويرها، ومن جمع النجوم، واحتراق البحار، وهد الجبال، قال تعالى : (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) [الانشقاق :1 : 4]. 
وقال سبحانه : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ) [ التكوير :1 : 14]
وفي شأن الجبال قال سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف :47]. ويقول سبحانه : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا) [طه :105 : 107]. ويقول تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْرًا) [الطور :9 : 10] 
فتكون النار التي تخرج من اليمن تسوق الناس إلى أرض المحشر هي بداية ظهور ذلك الدمار الذي يلحق بالكون والذي يحدث على شرار أهل الأرض، وهم الذين تقوم عليهم الساعة.
وقد وردت أحاديث صحيحة بأن الأرض التي يحشر الناس فيها، والتي تسوقهم النار إليها هي أرض الشام، ولعل من حكم كون الشام هي أرض المحشر، أنها الأرض التي سيسكنها المؤمنون أتباع المهدي وعيسى عليهما السلام، وأنها بقعة دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها بالبركة، فقال : «اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا» [رواه البخاري]. 
ووردت الأحاديث في عد فضائل الشام والحث على السكنى بها، كما أنها مهبط الأنبياء ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشار القرآن أن الشام أرض مباركة، قال تعالى : (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) [الأنبياء :81] وكانت الأرض المباركة التي تتحدث عنها الآية هي أرض الشام أو جزء منها. وقال تعالى عن بني إسرائيل : (وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِى بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف :137]، وذكر ربنا عن إسراء نبيه إلى بيت المقدس ببلاد الشام، فقال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء :1]. 
ومما ورد في فضلها من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان تحدث عن فتن ستقع، فقال له ابن حوالة: لي يا رسول الله. أي : اختر لي إن أدركني ذلك. فقال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، تجتتبي إليها خيرته من عباده. ثم قال: إن الله توكل أو تكفل لي بالشام وأهله» [رواه أبو داود والحاكم في مستدركه]
ومن الأحاديث التي أشارت إلى كون الشام هي أرض المحشر حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنكم محشورون رجالا وركبانا، وتجرون على وجوهكم ها هنا، وأومأ بيده إلى الشام» [رواه الحاكم في المستدرك]. 
واختلف العلماء في : متى يحشر الناس ؟ فذهب بعض العلماء كالبيهقي والغزالي وغيرهما إلى أن هذا الحشر ليس في الدنيا وإنما هو في الآخرة عند الخروج من القبور. 
وذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الحشر يكون في الدنيا قبل البعث فيحشر الناس أحياء إلى الشام، وأما الحشر بعد البعث فهو على هيئة مخالفة عن ذلك الحشر قبل القيامة. 
وقد وردت أحادث تبين أن الحشر قبل قيام الساعة ليس هو نفس الحشر بعد البعث، حيث توجد مظاهر الحياة من البعير والطعام وغير ذلك، وكل هذه المظاهر لن تكون موجودة بعد البعث، من ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا» [رواه البخاري ومسلم]. 
وبهذا التفصيل تتضح العلامة الثامنة والأخيرة وهي خروج نار من اليمن تسوق الناس إلى محشرهم.
ولعلنا ببيان علاما الساعة قد أكدنا على قضية الإيمان بالغيب، وأكدنا على أهمية يوم القيامة وعظم شأنه، فسبقه بكل هذه العلامات العظيمة يدل على أنه شأن عظيم، فهو يوم الفصل بين العباد، وهو يوم الجزاء، وهو يوم البعث، وهو يوم التغابن، ويوم الصاخة، ويوم النشور، ويوم الحسرة.
وكذلك في حديثنا عن يوم علامات الساعة تأكيد على حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمته، واهتمامه بما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، واهتمامه بإخبارهم بما يفيدهم من أنباء الغيب، سواء أكان ذلك الغيب في الماضي أم في المستقبل، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : (قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حَفِظَ ذلك مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ) [رواه البخاري].
ويؤكد ذلك على يقين المسلم بالله وبرسوله وبوعده، فقد ظهر من العلامات الصغرى الكثير مما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وبالكيفية التي أخبر بها، والمؤمن عندما يرى ذلك يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيزداد إيمانا.
كما أنه لا ينبغي أن يترتب على الإيمان بالساعة وبقربها ترك أعمالنا التي أقامنا الله فيها في الدين، فإن ذلك عصيان لله، وهروب من المسئولية، ويحذرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك فيقول : «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل» [رواه أحمد في مسنده، وعبد بن حميد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد].
فعلى الرغم من تأكده أن عمله هذا لا فائدة حسية منه؛ لأن الكون كله سوف يدمر وليست بما فيه تلك الفسيلة التي تحتاج إلى زمن طويل للإنبات بالرغم من ذلك هو مطالب بأداء عمله.
فالمؤمن لا يعطل الإنتاج، ولا يتوقف عن العمل لعمارة الأرض وصالحها، ولا ينتظر مجيء المهدي عليه السلام، ولا سيدنا عيسى عليه السلام، ولا أي شيء حتى يطيع الله ويطبق أوامره فيما قدر عليه، فالله أمره بعبادته، فيعبده حتى آخر لحظة في حياته، والله أمره بتزكية نفسه، فيزكي نفسه ويهذبها ما دام حيا، والله أمره بعمارة الكون وإتقان العمل الذي أقامه فيه، فليؤد عمله، ويتقنه لله حتى آخر لحظة في حياته.
هذا هو المؤمن الذي يَعلم ويتعلم ويُعلم ويعتقد ويعمل ويبني الحضارة، إنه المؤمن الذي أراده الله، وأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الشرائع، وجعل اليوم الآخر للإحسان إليه، كما أنه لمعاقبة العصاة كذلك.
تعلمنا في النصوص التي أوردنا في موضوع علامات الساعة وأشراطها، الملاحظة، فإن كل أمر عظيم تسبقه علامات في الغالب، وتعلمنا منها التخيل الخلاق، الذي يترتب عليه السؤال المفيد، كما حدث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون لتلك العلامات، فقارنوا بين حالهم والحال في ذلك الزمن، فمنهم من سأل : وأين العرب يومئذ يا رسول الله ؟ ومنهم من سأل : كيف نصلي في أيام بقاء الدجال في أيامه التي تختلف فيها نواميس الكون فيكون اليوم بمقدار سنة. ومن سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف النجاة، وإلى أرض تنصحني بها يا رسول الله في اقتراب الفتن ؟
أسئلة كثيرة دلت على يقينهم بالأحداث، ودلت على خيالهم الخلاق الذي يؤصل لحلول في الأزمات، فهم يعلمون أنهم الأمر سيكون أزمة ففكروا في الحلول وإقامة الدين وعمارة الأرض رغم كل هذه الأزمات التي أخبرهم بها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعلنا بعرضنا لعلامات الساعة نساهم في تكوين عقلية المؤمن السليمة، ونفسيته المستقرة، مما يترتب عليه السلوك الحضاري القويم، فلا ينبغي أن نقف عند القصص والأخبار للتسلية والاندهاش فحسب، بل ينبغي أن نؤخذ العبرة، ونضع خطط الإصلاح للنفس والمجتمع، ونلجأ إلى الله، ونسأله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وهذا ما أراده الله من قص القصص في كتابه المجيد، قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف :111] فالقصص للتفكر والتدبر، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف :176].
رزقنا الله العبرة والتفكر والتدبر، وما يترتب على ذلك من صلاح الأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاهد أيضاً

الحب الذى أغضب الملك فاروق…وتفاصيل الفنان الذى كان يزور معشوقتة فى منزلها

كان رشدي أباظة  يزور كاميليا في شقتها في عمارة «الإيموبيليا» وأصبح له مفتاحه الخاص، وأكدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *